هذه مقتطفات من قصائد ديوانه ( حديث الغضـــا ) , التي وردت في الدراسة الأدبية لشعره التي قدمها الأستاذ : محمود رداوي , في المجلة العربية بعنوان :
النفس الوجداني و الحس الوطني في حديث الغضا للشاعر الواصل
في العدد 278 السنة 25 ربيع أول 1421 هـ يونيو 2000 م
كتب الأستاذ ( محمود رداوي ) : ( نقل بتصرف بسيط )( عمد كثير من الشعراء إلى التنويه بمذهبهم الشعري في مقدمات دواوينهم.. وإنها لظاهرة طيبة تمنح القارئ الرؤية والتصور عن شاعره قبل الغوص في بحور شعره. وهذا ما أشار إليه الشاعر عبدالرحمن الواصل في مقدمته لديوانه (
حديث الغضا)، إذ عرّفنا بمذهبه :
«أيها الشعراء لا تبحثوا عن إلهام في الكتب والدواوين، والوديان الخضراء والليلة القمراء، ولكن نقبوا في أعماق نفوسكم ونفوس البشر الذين يحيطون بكم».
وقد أحيا لنا الواصل أولئك الشعراء الذين كانوا يتعاملون ويتعايشون مع الطبيعة الجامدة النباتية، وخصوصاً شجر الغضا(1)، الذي كان هاجسه في كثير من شعره .
doPoem(0)
|
وأنهكني التلمّـس والتحـري
|
أتدري فيّ؟ إنـي فيـك أدري
|
لعلك أن تغاث غـداً بقطـر
|
وشعري يشتكي لفحات دهري
|
فإني فيك أطفئ ما بصـدري
|
|
وإن تلك المناجاة أظهرت لنا كيف حل الشاعر بشجر الغضا، وماذا أثار في وجدانه من خواطر ورؤى، وكيف لاح له في تلك الصحراء المترامية الأطراف، وماذا كان يمثل له تاريخاً وحاضراً، وبماذا يذكّره من الشعراء وتجربتهم مع الغضا؟ كل ذلك بوحي من عشقه لعنيزة:
doPoem(0)
|
وزادتـه لنـا نفثـات سحـر
|
لتحرقـه كسـدر أو كسمـر
|
قلوب سرها أمسـى كسـري
|
وظلل موعداً والحب عـذري
|
به ابن الريب وهو يموت غنى
|
|
كما أن تلك المناجاة تتألق في نغم وجداني مشترك وبوح متسق يكشف الواحد للآخر حرارة معاناته:
doPoem(0)
|
أحدثه ونجـم الليـل يسـري
|
يبددْ وحشـة الدنيـا بسـريّ
|
ويشرق من ظلام الروح فجري
|
بما لاقاه والسنـوات تجـري
|
أغاني العاشقين بكـل عصـر
|
ورائحة الغضا عودي وعطري
|
|
وإن هذه الصداقة الحميمة بينهما، والحب الذي يكنه الشاعر لهذا الصديق، يحتم عليه أن تكون نهايته على مقربة منه، ليشيّعه ويودّعه الوداع الأخير، ويصلي عليه، بعد عناق حزين باكٍ. ولهذا تأتي وصية الشاعر التالية:
doPoem(0)
|
إلى حيث الغضا ليكون قبري
|
ولفّوني بمجموعات شعري
|
ويسأل خالقي إجزال أجـري
|
عليّ يضمني ليزيد طهـري
|
|
وقال :
doPoem(0)
|
بعبيـر نفثـتـه بقصـيـدي
|
يرتوي من مشاعري كالوليد
|
وعلى الحب موثقاً بالعهـود
|
من فؤادي ومن سحاب النفود
|
|
وهذا الغضا الذي أصبح في
الشاعر يرادف
الوطن: (نجد). لذلك راحت تتدفق مشاعره الوطنية في تلك القصيدة، وتفيض بالحب والعشق النجدي وبحلول رومانسي مشخص:
doPoem(0)
|
إن نجداً سمت بفعل الجدود
|
هل سمعتم هتافها من بعيد؟
|
يقظاً نائمـاً بقلـب شريـد
|
نفحاً رجعه هزيم الرعـود
|
|
ويواكب الغضا بعض نبات الصحراء النجدية التي تذكيها عطراً وأريجاً وريحاً:
doPoem(0)
|
نفحات من كل زهر وعـود
|
فالصبا تقتفي لهيب النفـود
|
ياصبا نجد ما افتقدت أعيدي
|
وبياني ومنظقي.. واستزيدي
|
وحنين حواه نبض وريـدي
|
يرتوي الشعر منهما بالجديد
|
|
ولا ينقطع عشقه النجدي وفيض انهماره.. لأنه تستمر مفردات عشقه النجدي غناءً تعلو إيقاعاتها، ويتردد صداها في أرجاء بعيدة لتشمل الوطن بأسره، لأن تلك (النفحة والانفعال): منهما يرقص الغضا وينادي طرباً: هل ترى ذوات القدود؟
doPoem(0)
|
لحظات فذاك من بعض جودي
|
لفّ أنحاء موطنـي بالحـدود
|
وهـي أم تحـبـه كالولـيـد
|
في هواها في حبها في قصيدي
|
في وجوه العدا وعدوى الحقود
|
لا يُـرام اختراقـه بالجـنـود
|
|
ولابد لهذا العشق الوطني، في نهاية المطاف من أن يكلل بنفحات دينية تنبع من قلوب أبناء الوطن:
doPoem(0)
|
بنيت بالإسـلام والتوحيـد
|
وتسامى برغم أنف الحسود
|
|
وقال في " حائل ":
doPoem(0)
|
فاسمعي من نجومه ما تغني
|
فيه أخفى اليقين قمة ظنـي
|
حينما غنت النجـوم بلحنـي
|
تعشق الحسن والندى والتغني
|
|
ولقد اتجه الشاعر الواصل في شعره الوطني إلى خطاب النخبة من بني وطنه.. الذين شادوا صرح التقدم والتفوق في مختلف المجالات الأدبية والعلم :
doPoem(0)
|
يملأ الشعر من معانيه مجـدا
|
من سحاب السراة أسمى وأندى
|
بالغضا في ربى عنيزة وجـدا
|
شاعرياً يروي عسيراً ونجـدا
|
|
كما نجده في قصيدة (بدوية صحفية) يشيد ببعض الشخصيات النسائية :
doPoem(0)
|
بدويـة الأخـوال والأعـمـام
|
عبـق الخزامـى فتنـة الآرام
|
حيث الروابـي ظللـت بغمـام
|
وبعينهـا ترنـو إلـى الآكـام
|
من زهرها من سهلها المترامي
|
قالت وتلـك ألا تـرى أقلامـي
|
تمتاح من صحرائنـا إلهامـي
|
|
وتتسع دائرة خطاب الشاعر، للنخبة الوطنية، لتشمل الطلبة المتفوقين في دراساتهم وعلومهم.. إذ خصهم بقصيدة (وبكم بلادي تستحث حظاها)، وهم من نهضت المملكة العربية السعودية بهم :
doPoem(0)
|
وسما بإنجازاتـه وبناهـا
|
أعبـاء إنجازاتـه لنراهـا
|
حيث الحضارة رافعين لواها
|
فتعلّموا واستمسكوا بعراها
|
وتجمّلت نهجاً فمـا أثراهـا
|
فسمت مقاصدها وما أحراها
|
فيها أتى الإعلام ينشر داها
|
|
ويختار لنا الشاعر الواصل من النخبة الوطنية، وزيرين لوزارة المعارف , فقال في وداع الوزير د. عبدالعزيز الخويطر , واستقبال الوزير د. محمد الرشيد :
doPoem(0)
|
أجهد الجهل فهو منه طريد
|
فأضاءت سهولنا والنجود
|
فيك واليوم للمربين عيـد
|
فيه تزداد عزمـة وتزيـد
|
|
وإن هذه الإشادة بفارس ودع الوزارة وآخر تقلّدها، لتستمد من حقيقة تاريخية :
doPoem(0)
|
فارس قام فارس صنديـد
|
مذ تولى أمر البلاد السعود
|
وسما في مسارها التوحيد
|
فلقد جاء في خطاه الرشيد
|
مرتقى فالرشيد سوف يزيد
|
|
ولابد لشاعرنا الواصل من أن يمزج هذا الحس الوطني بقبسات من الحس الديني ليتوّج بقوله:
راسماً غاية إليها الورود
وانتهاجاً لله فيها السجود
وعن الدين بالنفوس تذود